ما كل هذا الموت المنظّم يا أحمد. الموت الموصوف أصعب من الموت الذي يحدث أمام عينيك، فالأخير يأتي كومضة، يترك أثره ولكنه ومضة. أما الموت الموصوف، فيتفنن الواصف في إعادة تشكيله وهيكلته ليزرع فيك عميقا هذا الموت، ويتركك تفكر وتسأل.. ما كل هذا الموت؟
هذا الموت، هو الموت الذي عصف بمليون ونصف المليون من الأرمن، حين قرر الله أن يغفل عنهم، ويتركهم بين يدي القتلة.. لقد كان “موت منظم” بكل تفاصيله!
صديقي الروائي المصري أحمد مجدي همام، يروي عن هذا الموت بطريقته السلسة، ليقدم رواية تتعدد فيها الأصوات ويبقى الموت واحد.. هذه قصة ماجدة التي نجت من المذبحة الأولى لتنال منها المذبحة الثانية.. القاتل واحد، هو من موّل ونظّم ورتّب ودعم – بحسب الرواية-، وهذه قصة عبدالرحمن، صائد القصص، وابن اللحظة.
يجمع النقاد وأساتذة الرواية، أن الصدفة هي من تصنع الحدث في الرواية، وهذا ما فعله أحمد بـ عبدالرحمن، إنها محض صدفة.. موت مصادفة.
لو لم تكن الحياة صدفة، لما التقيا في القسم، ولما دخلت الكنيسة في ذاك الخريف الأسود. هكذا وقع الحدث، من جبال آرارات إلى شوارع مصر.. مصر التي “تمصّر أقلياتها”.
إنها رواية عن الموت الذي نظّم ليلا، ونفذ على مرأى من العالم، إنها رواية عن “أرمينيا، تفاحة الحرب”، إنها قصة “أبناء التفاحة” المتشبثين بالشجرة.. إنها قصة “أرمن” الذي يمثل المليون ونصف المليون.. إنها قصة كل الشعوب التي اضطهدت، وقتلت وهجّرت من أرضها.. إنها حكاية الدماء التي روت أرض أرمينيا والعراق وسوريا ولبنان ومصر وفلسطين.. إنها دماء حبيبات الرمان المفرّقة في شتات الأرض.