رجل من ساتان – صهيب أيوب

يبدو جليا، أن صهيب يملك لسانا محشوّا بالذكريات وبكثير من المآسي، تماما كما المدينة التي نذر حياته الصحفية يكتب عنها، ينبش في جوارير شوارعها، يكتب القصص عن كل شيء، لا شيء ممنوع معه. يكتب عن “الطنطات” في ساحة التل، وحمامات العامة، ودور السينما ذائعة الصيت. يكتب عن كل من مرّ في هذه المدينة الجميلة، المسلوخة من جغرافيتها والمزروعة بين صراعات عاشتها منذ الـ75.. فهناك نشأت الشيوعية الإسلامية الماوية مع أبو عربي، وأبادت فيها الإسلامية التوحيدية الشيوعية الأممية.. وتصارعت فيها عائلات سياسية كبيرة، واحتضنت التشرينيين وأولاد القرى وأبناء الجبل، وكانت شاهدة على مجزرة لا تغتفر.

أنت، ابن هذه المدينة وخطاط شوارعها بنعليك، قد تعتقد أنك تعرفها، ولكن مهلا.. يصدق القائل، أن صهيب حضر اجتماع تأسيس المدينة، ورسم شخصياتها وقصصها وأماكنها وحاناتها وبيوت دعارتها وأسواقها ومساجدها وكنائسها.. حتى اليهود هناك، حركهم صهيب منذ عقود كبيادق ووضعهم في متنها.

هذه رواية الوجع، الذي عاشه بطل الرواية، ابن اليهودية والمسلم.. الذي عرف اللذّة على طريقته.. الرضيع المقتول في البيوت، أحد رواد دور سينما طرابلس، وحماماتها العامة، ومقاهيها الصامدة.. ابن الأحياء المهمشة، المنسية في حواشي القرارات السياسية.

بين الأسطر ترى صهيب، الذي عرفته من 16 سنة في تدريب خضناه بين مكاتب جريدة المستقبل، صهيب الذي كان شاهدا على كل مآسي طرابلس، حتى تلك التي وقعت قبل أن يصل من قريته العكارية إلى المدينة.. وكأن الجميع يريده أن يكون حكواتي المدينة وأمين أسرارها.. وها هو الآن يضعها بين يدينا، كـ “رجل من ساتان” يخيط القصص ويجمع القماش ويصنع فستانا بألوان المدينة ويرقص على جثث مقاتلي الميليشيات الذي مرّوا من هناك يوما، وبقيت أشلاؤهم في مقابرها.

رواية جميلة.. فيها حقيقة الخوف الذي زرع قصصا في نفوسنا حين كنا صغارا من أماكن خطيرة علينا تتراصف في شوارع المدينة. رواية أبناء المدينة الضائعين بين ألسنة المجتمع وميولهم الجنسية. رواية شباب لم يتجرؤا على الحلم، فابتلعتهم كوابيس المدينة المحرومة من الضوء منذ الأزل!

شكرا صهيب أيوب الجميل..

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع