تاليا.. الفصل الأول

“واصلنا الحياة بالحب وحده” – بابلو نيرودا

اليوم، أكملت حبيبتي “تاليا” شهرها الثالث. فصل متكامل بجميع أدوات الحب التي تنسيك التعب.

بدأت تكتشف يديها، فتشبكهما ببعض. بدأت تكتشف قدميها كيف تتحركان بإرادتها، فتحركهما وتحاول المناغات لهما. إنها تتقن لغتها الخاصة في التواصل مع الضوء، شجرة الميلاد، اللون الأحمر، وتهريج والدها، وقبلات والدتها.

تاليا، تعلن بدء صباحاتنا بالمناغات من سريرها الصغير، هي المنبه البيولوجي لبداية يوم حافل، ملؤه الضحك واللعب والتعب. 

هي، التي اختبرت قبل أسبوع معنى الفيروس الحقيقي، لكنها قاومته ببسالة، وبحبّ أمها واهتمامها. قاتلته بقلب صغير يملؤه الحب، وعزيمة لخوض غمار المشقة وهي في مهدها. “تاليا بطلة”، هكذا قال الحكيم حين فحص رئتيها وتنفسها، قال إنها اختصرت الوجع بسعال خفيف فقط، إنها نجت، بفعل المقاومة، وحب الحياة.

داخل غرفة الطوارئ، كل شيء دافئ، حتى يدي الممرضة التي تلقفت صغيرتي، لكنني كنت أشعر ببرد قارس، ولا أريد أن أعطيها تاليا، كيلا أبرد أكثر. هكذا هم، مقاتلو الصفوف الأمامية في قسم التمريض، دافئين، يطمئنوك برحابة صدر. لكنني كنت أشعر بالبرد أكثر وأكثر. حتى حين كانت حرارتها تلامس الخطر، كنت أرتعش بردا. لا بل خوفا.

بعد تلقيها جرعة مسكن، حملتها. قالت الممرضة أنه لا داعي لحملها، هي في مكانها بأمان. لم أسمعها. تنبهت حين لمستني، أيقظتني، وقالت: “يمكنك وضعها على السرير”. ابتسمت لها، فتنبهت لسيل الدموع في عيناي. فاعتذرت، وقالت: “بين يديك أفضل من السرير بالتأكيد”. 

حين خرج جمع الأطباء والممرضات من غرفة الطوارئ، بقيت أنا وتاليا وحدنا. بكيت. بكيت بكل حواسي، كان الدمع يفيض من فمي، وأنفي، وعيني، وأذني. حتى أنني شعرت به يخرج من تحت أظافري. بكيت كثيرا واعتذرت. اعتذرت على كل شيء منها. كانت تنظر إلي بعينين صافيتين، ثم ابتسمت وغفت. 

حين أتت النتيجة إيجابية، لتنضم إلى فريق أمها التي سبقتها بيومين، لم أتعظ وأهرب منهما. بقيت تاليا بين يداي. كنت أتحدى الفيروس، القدر، والمشقة. المشقة في قلبي، كان البعد حادا، وأنا تناسيت أمراضي الوراثية التي قد تقتلك في حال ترك الفيروس حوافره فيك. كنت أهمس في أذن تاليا، سننتصر. وكما يقول نيرودا “واصلنا الحياة بالحب وحده”، وانتصرنا، لأنني أؤمن أنه “دونما عذاب سنلقى حتفنا” يوما ما. 

أنت، حين تتحرر من عقدة منزل العائلة، وتدخلات الأهل في شبابك، ترفع الكأس نحو السماء وتقول، لقد نجوت منهم. لكنك لا تعلم، أن كائنا صغيرا، ينمو في أحشاء شريكتك، سيأتي ويحكمك بمزاجه. متى تنام، متى تقرأ، متى تأكل، متى تركض، متى تخرج، متى تعود، متى تبكي. هذا الكائن سيحكمك حتى سنّ البلوغ، حين يقول أنه سيتحرر من حكمك. مهلا، أوليس هو من حكمني لعشرين عام؟ 

الفصل الأول انتهى، وسيبدأ الربيع معها، ثم الصيف والخريف، قبل أن تكمل عامها الأول. ونستكمل العد بالضحكات.

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع