بلال خبيز.. صاحب الابتسامة الصامتة

قبل أيام، انتهيت من قراءة كتاب بلال خبيز الأخير “التقدم نحو الكارثة”، وللحظة، قلت في قرارة نفسي، سأكتب عنه. لكن.. لم أجرؤ على ذلك فقررت الكتابة عن بلال.. وهذا أضعف الإيمان.

– انشالله بيطردوك من الشغل يا بلال قريبا

– ليش؟

– لأن مش حترجع تكتب، الا إذا تركت الوظيفة هون معنا، وساعتها بقدر ارجع اقرأ نص جميل

ضحك بلال:

– مافي شي نكتب عنه بيستاهل

كنت وقحا في دعائي، وكان كعادته لطيفا في تلقي “دجاجتي”، وكنت لا أزال أصاب بالدهشة حين أتذكر عنوان أحد كتبه “اللحظة التي تفتح فيها عينيك هي لحظة الفاجعة”، أنا المفجوع في غياب نصوصه، والمتخم بحواراته ومعرفته.

بلال، أول الواصلين إلى المقهى هنا، ويتسللون تباعا، أنا وناظم السيد، جهاد بزي وحسن عباس ومحمد اللبان وحسين جرادي. ثم تبدأ الحوارات على اختلاف ألوانها وأشكالها، كان بلال يحب هذه الجلسات، وبالطبع تحتدم النقاشات مع وجود ناظم.

اختلاس الجلسات المفردة مع بلال قليلة ولكن ثريّة، بلال الذي زامل بسام حجار أخبرني ما لم يروَ عنه، عن حياته وقصائده، عن حبه وجنونه. أخبرني عن إلياس خوري والأدب اللبناني، عن جبور دويهي وجمال قصصه. أخبرني عن ماركيز وقصص غير منتشرة عنه، عن كواباتا، عن ريموند كارفر وبديعته “الكاتدرائية”، عن فوكو وفوكنر وماركس وتروتسكي. عن جورجي أمادو، عن العظيم زيغمونت بومان.

بلال، الذي يخبرك عن بواطن المدن وتشعباتها وشخصياتها، يفصّل لك على فنجان قهوة لا يرتشفه بعجلة عن كل مدينة، ويخبرك عن التلفاز والنساء والحياة.. وأشياء لا تعد ولا تحصى. يخبرك عن متانة دراجتك، وقوّة العجلات. عن الخشب والمنشار وصناعة الكراسي. عن كرهه للمزروعات. عن حبه للموسيقى، أم كلثوم وعبدالوهاب. ولو كنت محظوظا ويحبك، سيسمعك حسن الحفار، وهذه الوديعة الأجمل التي يقدمها لمحبيه\مريديه.

غلبنا، أنا وناظم، بلال وعصابته مرارا في البايبي فوت، لكنه هزمنا مرارا في الليخة والبينغ بونغ وفي حبّه للدراجة الهوائية والقراءة وفنجان القهوة، وقنينة الماء التي دائما بين يديه.

تعلمت هنا، بسنوات ٦ الكثير من بلال، أنا القادم إليه لأنني صديق ابنه “حسن”، تلقفني على عجل، زرنا البارات معا، والمدن عبر دراجاتنا، والحكايات عبر جلساتنا، والسخرية أثناء فترات التدخين خارج مبنى العمل.

بلال غادر ولايتنا، يبحث هناك في القسم الآخر من القارة عن الهدوء، التقاعد، الراحة والشمس. ولكنه يكتب لنا، عدة مرات أسبوعيا، ليشرح لنا، نحن مريديه\محبيه، الكثير من الطلاسم التي نتعايشها. فيخرج علينا في الصباحات، بعناوين تدّلنا إلى الطريق.

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع